أنواع البراكين وتأثيرها

تُعد البراكين من الظواهر الجيولوجية الأكثر إثارة وتعقيدًا في كوكب الأرض، إذ تمثل واجهة مرئية لقوى باطنية عظيمة تعمل في أعماق القشرة الأرضية. إنها ليست مجرد تشققات تقذف الحمم والرماد، بل أنظمة ديناميكية ذات تأثيرات بعيدة المدى في الجغرافيا والمناخ والبيئة والأنظمة الحيوية، وأحيانًا حتى الحضارات البشرية. يعتبر فهم أنواع البراكين ومكوناتها وآثارها أمرًا بالغ الأهمية في مجالات متعددة مثل علوم الأرض والجيولوجيا والبيئة والتخطيط المدني والطوارئ.

تتشكّل البراكين نتيجة لانبعاث المواد المنصهرة والغازات من أعماق الأرض إلى السطح عبر فتحات أو فوهات بركانية. هذه المواد تنبثق بفعل الضغوط الهائلة في باطن الأرض الناتجة عن الحرارة والحركات التكتونية، ما يؤدي إلى انفجارات قد تكون عنيفة أو انسيابية حسب نوع البركان ومكوناته الداخلية.

أولًا: أنواع البراكين

البراكين ليست جميعها متشابهة، بل تختلف من حيث الشكل والحجم ونوع الانفجارات وطبيعة الحمم المنبعثة، وتنقسم عادةً إلى أربعة أنواع رئيسية:

1. البراكين الدرعية (Shield Volcanoes)

تتميز بانسياب الحمم منها بسلاسة وبطء، مما يؤدي إلى تكوين طبقات مسطحة وعريضة تمتد على مساحات شاسعة. تتشكل هذه البراكين من تدفقات متكررة للحمم البازلتية منخفضة اللزوجة. من أشهر الأمثلة على هذا النوع “بركان مونا لوا” في هاواي.

2. البراكين الطبقية (Stratovolcanoes)

تُعد من أكثر الأنواع انتشارًا وخطورة، إذ تتكون من طبقات متعاقبة من الرماد والحمم البركانية الصلبة. تتسبب هذه البراكين بانفجارات عنيفة وغالبًا ما تكون مصحوبة بتيارات حمم متوهجة وسحب رماد كثيفة، ومن أبرز أمثلتها بركان “فيزوف” في إيطاليا.

3. البراكين المخروطية (Cinder Cone Volcanoes)

هي براكين صغيرة الحجم تتشكل بسرعة نسبيًا من تراكمات المقذوفات البركانية كالحصى والرماد حول الفوهة. تنفجر هذه البراكين بشكل متكرر ولكن بقوة أقل نسبيًا، وتختفي عادةً بعد فترة قصيرة من النشاط.

4. البراكين الفتحية أو الشقوق البركانية (Fissure Volcanoes)

تنبثق منها الحمم من شقوق طويلة بدلاً من فوهة واحدة. تؤدي هذه البراكين إلى تدفقات كبيرة من الحمم المنصهرة التي قد تغمر الأراضي المحيطة، وتُعد من العوامل المؤثرة في تكوين الهضاب البركانية.

ثانيًا: مكونات البركان

لفهم سلوك البركان، يجب دراسة مكوناته الأساسية والتي تُعتبر بنية جيولوجية معقدة تشمل عدة طبقات ومناطق:

1. الفوهة (Crater)

هي الفتحة الموجودة في قمة البركان والتي تندفع منها الحمم والغازات. في بعض الأحيان، تتحول إلى بحيرات بركانية بعد انتهاء النشاط البركاني.

2. المدخنة الرئيسية (Main Vent)

هي القناة التي تنقل الحمم من الغرفة الصهارية إلى السطح. قد تتفرع منها مداخن فرعية تؤدي إلى تشكل فوهات جانبية.

3. الغرفة الصهارية (Magma Chamber)

عبارة عن تجويف ضخم في باطن الأرض يحتوي على الحمم المنصهرة تحت ضغط هائل. تمثل المصدر الرئيسي للانفجارات البركانية.

4. الحمم البركانية (Lava)

هي المادة المنصهرة التي تندفع إلى السطح من البركان. تختلف خصائصها حسب تركيبها الكيميائي، فهناك حمم بازلتية وسليسية وغيرها.

5. الرماد البركاني (Ash)

جزيئات دقيقة من الصخور المنصهرة والمجمدة تُقذف في الهواء أثناء الانفجارات العنيفة، وقد تنتقل لمئات الكيلومترات بفعل الرياح.

ثالثًا: تأثير البراكين على البيئة

1. التأثيرات الجيولوجية

تؤدي البراكين إلى تغيير معالم سطح الأرض من خلال تكوين الجبال والوديان والهضاب. كما تسهم في بناء جزر بركانية جديدة مثل جزر هاواي، وتعزز النشاط الزلزالي في المناطق المحيطة.

2. التأثيرات المناخية

يُعتبر الانفجار البركاني أحد العوامل المناخية قصيرة المدى، إذ يطلق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت وجزيئات الرماد في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى حجب ضوء الشمس وانخفاض درجات الحرارة عالميًا كما حدث في ثوران بركان “بيناتوبو” عام 1991.

3. التأثيرات البيئية

يمكن أن تؤدي البراكين إلى تدمير النظم البيئية القريبة منها بالكامل، سواء من خلال تدفقات الحمم أو المقذوفات أو الغازات السامة مثل ثاني أكسيد الكبريت والهيدروجين الكبريتي. إلا أن بعض البيئات البركانية تتطور لاحقًا لتصبح موائل غنية ومتنوعة بيولوجيًا.

4. التأثيرات على الحياة البشرية

تؤثر البراكين على المجتمعات السكنية القريبة منها عبر تدمير المنازل والبنية التحتية، ونشر الرماد البركاني الذي يؤثر في صحة الإنسان والزراعة والمياه. إلا أن بعض المجتمعات تستفيد من التربة الخصبة الناتجة عن البراكين في النشاط الزراعي.

5. الفوائد الاقتصادية

رغم الأخطار، تقدم البراكين فرصًا اقتصادية عديدة، منها:

• السياحة البركانية: حيث يقصد السياح البراكين النشطة والمنطفئة لمشاهدتها واستكشافها.

• التربة الخصبة: التربة البركانية تعد من الأغنى زراعيًا.

• المعادن والموارد: تحتوي المناطق البركانية على معادن نادرة مثل الكبريت والذهب.

• الطاقة الحرارية الجوفية: حيث تُستخدم حرارة باطن الأرض لتوليد الكهرباء كما في آيسلندا.

رابعًا: توزيع البراكين في العالم

البراكين ليست موزعة عشوائيًا، بل توجد معظمها على طول ما يُعرف بـ “حزام النار” حول المحيط الهادئ، حيث تحدث تصادمات بين الصفائح التكتونية. إليك جدولًا يوضح أبرز مناطق البراكين النشطة عالميًا:

خامسًا: طرق مراقبة البراكين والوقاية

في العصر الحديث، توفرت أدوات وتقنيات متقدمة تساعد العلماء على مراقبة البراكين والتنبؤ بنشاطها من خلال:

• قياس الزلازل: تسبق الانفجارات عادةً هزات أرضية خفيفة.

• تحليل الغازات البركانية: أي زيادة في انبعاث الغازات دليل على احتمال الثوران.

• المراقبة بالأقمار الصناعية: لرصد التغيرات الحرارية والتشوهات في سطح الأرض.

• استخدام الطائرات المسيرة: للوصول إلى المناطق الخطرة والتقاط صور دقيقة.

تعتمد خطط الطوارئ الحكومية على هذه المعلومات لتحديد مدى الخطر وإجلاء السكان في الوقت المناسب. منظمات مثل “USGS” الأمريكية و”VONA” توفر تقارير دورية وتحذيرات مبكرة بشأن النشاط البركاني.

المراجع

1. Sigurdsson, H. (2015). The Encyclopedia of Volcanoes. Academic Press.

2. Global Volcanism Program – Smithsonian Institution: https://volcano.si.edu

3. United States Geological Survey (USGS): https://www.usgs.gov

4. National Geographic Society – Volcano Facts: https://www.nationalgeographic.com

5. Tilling, R. I. (2005). Volcanoes: Crucibles of Change. USGS Circular 1249.

تشكل البراكين عنصرًا حيويًا في التوازن الجيولوجي والبيئي للكوكب، وهي ظاهرة تحمل في طياتها الدمار والخصب معًا. إن فهم طبيعتها العلمية يعزز من قدرة الإنسان على التكيف مع بيئته واستثمار مواردها بأمان.